السبت، 25 سبتمبر 2010

حسن فتحي .. شيخ المعماريين


حسن فتحيكمهندس، طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لي مطلقاً أن أرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية متعمدا .
   
حسن فتحي
حسن فتحي، من موقع مخصص له نقلاً عن لقاء إذاعي مسجل 
   




ولد حسن فتحي في 22-11-1317هـ/ 23-3-1900م بمدينة الإسكندرية لأسرة غنية أرستقراطية، تخرج في المهندس خانة - جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1344هـ/ 1926م، درس بكلية الفنون الجميلة من 1349هـ/ 1930م حتى 1365هـ/ 1946م، أقام معرضا لعمارة الطين بالمنصورة 1356هـ/ 1937م، وأتم بناء أول بيت بالطين والأقبية للجمعية الزراعية الملكية ببهتيم 1360هـ/ 1941م.
ترعرعت عبقرية هذا المعماري الفذ في ظل الاستعمار الثقافي العربي الذي ورثه التسلط الحضاري العثماني في عصر الاستشراق والتهجين الأنجلوفرنسي، والتي استشرت أمراضه، خاصة في الذهنية المحلية. دعيت طريقته في التعمير بالعمارة بدون مهندس معماري، ورغم انتشار أفكاره في العالم، فإن نصيبها كان التجاهل والضياع بين فساد الطامعين وبيروقراطية المتخلفين.
عمر طويل قضاه حسن فتحي بين نجاح وإخفاق، نجاح خارج مصر، حيث الإمكانات والعقول الواعية، وإخفاق في مصر، حيث البيروقراطية وأصحاب المصالح الذين لا يسعدهم رؤية الناجحين.

قصته مع القبة والقبو
خلال آلاف السنين، كانت مادة البناء عند الفلاحين هي الطمي الذي يحصلون عليه من فيضان النيل بدون تكلفة، اقتنع حسن فتحي أن الطوب الطيني هو المادة المناسبة للبناء في مصر، وكان أغلى شيء في هذه المباني هو الخشب لتغطية الأسقف، لذلك كان يود أن يعرف كيف يبني القبة ليستغني عن الخشب، لذلك تتبع حسن فتحي الآثار القديمة للبناء بالطين بالمقابر الفاطمية، ووجد في الأقصر قبة طينية فوق مخازن الغلال من رع (رمسيس)، عمرها 3400 سنة، فأحضر بنائين من النوبة ليبنوا أول قبة من الطوب الطيني.
القبة والقبو من أقدم العناصر المعمارية التي نبعت من ثلاث حضارات عريقة، هي المصرية والهيلينية والساسانية، واستمر حسن فتحي في استخدام هذين الشكلين في عماراته أثناء ممارسته طوال عمره، لقد أدمج حسن فتحي كلا من الزمان والمكان، فهما عنده شيء واحد، وكما ذكر، كان العامل الاقتصادي هو ما دفعه في فترة الحرب العالمية الثانية إلى الاستغناء عن مادة الخشب، واعتماده العمل على الطوب النيء في الإنشاء والتغطية، وفي نفس الوقت مقدرا عامل التشكيل الفني للمادة البنائية.
لقد أيقن حسن فتحي أن حيز المبنى وفراغه هو في حقيقة الأمر امتداد خارجي للطبيعة الداخلة للإنسان المصري، كما أن الحيز الداخلي في المساكن التي صممها كان يتسم بالسكينة واحتواء الإنسان برفق وتعاطف.
التكنولوجيا المتوافقة في فكر حسن فتحي
كانت أبحاث حسن فتحي تدور حول ثلاثة أمور: عمارة الفقراء، والبناء بالجهود الذاتية، وتكنولوجيا البناء المتوافقة. فماذا تعني التكنولوجيا المتوافقة؟ المقصود بهذا التعريف هو التوافق بين التكنولوجيا والبيئة الطبيعية وما تحويه من مواد، وما يسود فيها من مناخ. كما يعود اللفظ إلى التوافق مع ثقافة الجماعة وتقاليدها الفنية والروحية وظروفها الاجتماعية والاقتصادية. لذلك فإن ما هو متوافق مع منطقة، قد يختلف عما هو متوافق مع منطقة أخرى من هذه البلاد، نظرا لاختلاف البيئة، ومن هنا يتضح أن جذور فكر حسن فتحي تمتد مكانا إلى التربة المحلية، وزمانا إلى الأصالة والتراث عبر العصور.
العمارة الإسلامية للمساجد
يقول حسن فتحي: "إذا خلت العمارة من الناحية الوجدانية لأصبحت ميكانيكا". فمبنى المسجد يعبر عن انفتاحه في اتجاهين بتصميمه وتكويناته المعمارية في الاتجاه الأول رأسيا، للاتصال بالسماء عن طريق القبة، والاتجاه الثاني أفقيا نحو مكة المكرمة طريق القبلة.
كما يقول: "إن المساجد التقليدية لها باب واحد أساسي في الواجهة العمومية يرمز إلى وحدانية الخالق عز وجل، والذي سيقوم المسلم بالصلاة بين يديه في الداخل، أما عن القبة، فإن علماء الآثار يسمون تجويفها بالباب الوهمي في العمارة الفرعونية، أو (عتبة الأيدية) لأنه إذا كان الجسم لا يستطيع الولوج من القبلة إلى الكعبة، فإن الروح يمكنها أن تلج إليها من خلالها".
حسن فتحي الإنسان وتصوره للجمال قبل التصميم
اعتقد حسن فتحي في التآلف بين الطبيعة والإنسان، لذلك كان شديد الاهتمام بأن يكون عمله ضمن البيئة، وليس دخيلا عليها. آمن بضرورة الجمال كهدف عند التصميم، كما آمن بالقيمة التراثية الكامنة وراء استخدام الأشكال التقليدية في العمارة، فهي - بنظره - تجسيد لإحساسه بقيم معمارية وجمالية وبيئية استقرت في وجدان الإنسان.
جاء اهتمامه بالريف من خلال والدته التي عشقت الريف، وتمنت أن تعيش فيه طيلة عمرها، ورسمت له صورة رومانسية رسخت في وجدانه، من هنا بدأت عاطفته تتجه نحو الفلاح المصري الضعيف الذي يعيش في مساكن متواضعة، وبدأ عقله يفكر في الأسلوب الأفضل لإسكان هؤلاء المساكين، حسب تعبيره.
حسن فتحي رومانسي بطبعه، يهوى الموسيقى الكلاسيكية، ويعزف على الكمان، ويلبس العباءة الصوفية الحرماء، انتقل من مسكنه في الزمالك إلى مسكنه في منزل (علي لبيب) الذي شيد على العصر المملوكي، والمعروف برقم 4 درب اللبانة.
لقد امتدت رومانسية حسن فتحي إلى حد بنائه مسرحا في قرية القرن الجديدة، أقيمت عليه بعض العروض الريفية تحت أضواء الشعلات النارية.
العمارة الإسلامية والعمارة الغربية
كان حسن فتحي يدعو إلى تطبيق الأنماط المعمارية العربية الإسلامية، وتشهد مشروعاته التي صممها على تمكنه من تحقيق ذلك النمط المعماري، أخذا في الاعتبار البيئة، واستغلال خاماتها والبعد عن الخامات المستوردة من الخارج.
إن دعوته إلى عمارة الطين لا تخلو من الرغبة في كشف البيان حول الأسباب التي تقف وراء احتقار هذه المادة وإحلال المواد الأوروبية المسبقة الصنع والغالية الثمن مكانها.
كان يدعو إلى خلق عصر جديد تكون فيها التكنولوجيا في خدمة الإنسان، وليس العكس، وقد كان هذا من أهداف المعهد الدولي للتكنولوجيا المتوافقة فيما يتعلق بالسكان، والذي نادى بإنشائه، ولكنه لم ينفذ.
لقد وجد أن العمارة الأثرية للشوارع وواجهات المنازل المشرفة عليها لم تتطور في القاهرة حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي عندما فرض محمد علي باشا العمارة الغربية في البلاد، ومنذ ذلك الحين، أفسح المنزل المزود بالفناء الداخلي الطريق أمام المنازل الأوروبية الطابع، ذات الطبيعة المنفتحة نحو الشارع، والتي لا يوجد فيها مجال للقاعة، إلى أن هجر مفهوم القاعة نهائيا، واستبدل الصالون الحديث به، كما وجد أن العمارة الغربية أو الأوروبية تتغلب فيها النواحي التكنولوجية على النواحي الفنية التعبيرية، وبالتجريد أو التبسيط النابع من الهندسة الإنشائية، وليس تفاعل ذكاء المعماري مع البيئة الطبيعية، من حيث الاعتبارات الثقافية.
ومن وجهة نظر فتحي، فإنه بتطبيق مفهوم المعاصرة على الكثير من هذه الأعمال، سنجد أنها متخلفة، بل إنها لم تدخل في مجال العمارة كفن، حتى يمكن تقييمها من حيث المعاصرة أو التخلف.
يقول حسن: "إن هذا لا يعني إنكار أن التقدم التكنولوجي له الكثير من المزايا؛ لأن التكنولوجيا كانت تهدف باستمرار إلى تحكم الإنسان في البيئة المحيطة به، وأنه يجب على الإنسان أن يخضع معدلات التغيير لطبيعته من نفسه، لا أن يخضع نفسه لها".
"إن العناصر الجديدة والإنشاءات الحديثة تتطلب ابتكار قواعد جديدة في الجمال، وإيجاد التوافق بين صدق أشكال هذه العناصر"، "عندما نعتبر حركة الشمس في توجيه الأبنية للحصول على الأشعة أو تحاشيها، وعندما نعتبر حركة الهواء الخارجي لخلق التيارات داخل الأبنية وخارجها، فإننا سندخل المتغيرات الكونية والأرضية (الجيوفيزيقية) في التصميم، وإذا أخذنا في الاعتبار العلوم الإنسانية والطبيعية كالأيروديناميكا والفسيولوجيا والطبيعة، فإننا بذلك سنحقق المعاصرة في أجلى معانيها، وإذا كان الإنسان القديم قد توصل إلى المعاصرة عن طريق المعرفة المباشرة، فإن الإنسان الحديث يمكنه التوصل إلى المعاصرة عن طريق العلوم التحليلية. إذن فنحن نأمل أن نصل إلى عالمية القدامى".
حسن فتحي ومدينة المستقبل
كان للفترة الزمنية 1378-1380هـ/ 1959-1961م التي قضاها حسن فتحي مستشارا في مؤسسة الدكتور "دكسياس" في اليونان أثرها الواضح على الفكر التخطيطي له، فقد قام بعدد من الدراسات حول مدينة المستقبل، وذلك ضمن فريق بحثي من المؤسسة، وكان الهدف من الدراسة تجديد نظرية جديدة للتعامل مع التجمعات السكنية خاصة في الدول النامية، وهي الدراسات التي تبلورت في النهاية في كتاب وضعه د. "دكسياس" بعنوان: "المدنية الديناميكية كمنهج تخطيطي يمكن تطبيقه في تخطيط أي مدينة".
وفي 1380هـ/ أكتوبر 1960م وضع حسن فتحي ورقة عمل توضح برنامج العمل لفريق البحث. وهنا يمكن القول: إن حسن فتحي، وهو في الستين من عمره، بدأ مرحلة فكرية جديدة في مجال التخطيط العمراني.
استمر حسن فتحي حبيس هذه النظرية عن مدينة المستقبل، بينما نجد الدكتور "دكسياس" قد استطاع أن يجمع من خلال فريق البحث الفكر الأساسي لكتابه "المدينة الديناميكية"، وكذلك النظرية المشتركة لتخطيط المدن؛ الأمر الذي ساعده على الانتشار في العالم كمؤسسة استشارية تعمل في هذا المجال.
حسن فتحي في عيون المعماريين
نال حسن فتحي اهتماما كبيرا من المعماريين في الغرب بما نشر عن أعماله في المجلات المعمارية الفرنسية والإنجليزية والإيطالية واليونانية والأسبانية وغيرها، أو ما نشر من كتب ألفها هو، أو ألفت عنه باللغة الأجنبية، ولم ينل مثل هذا الاهتمام من بني عشيرته وأهله في مصر أو العالم العربي إلا مؤخرا، وعلى نطاق ضيق جدا حتى كاد أن ينسى وتنساه الأجيال الشابة من المعماريين العرب.
يقول "جيمس ريتشاردز" في كتابه عن حسن فتحي: " لقد كان حسن فتحي فيلسوفا ومعماريا في الوقت نفسه، ويمكن اعتبار أعماله القليلة موردا خصبا لفكر متجدد يحاول أن يتعامل مع مواد البناء المتوفرة في البيئة بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة وحاجة السكان، مع توفير أنسب الظروف المناخية لمعيشتهم، وذلك بدلا من استيراد تكنولوجيا الغرب التي لا تتناسب مع الواقع المحلي. لقد كان يرفض العلامة المستمدة من تكنولوجيا واحدة، كما كان يرفض تغريب التراث الحضاري الذي يعده جزءا من ذاتيته".
لقد كان اهتمام حسن فتحي منصبا على عمارة الفقراء، حتى أصبح من أكبر الداعين إلى هذه الرسالة في السبعينيات والثمانينيات، فانتشرت في عدد كبير من جامعات العالم دون الجامعات المصرية التي استمرت منعزلة عن تيار هذه الفكرة.
ويقول الأستاذ الدكتور "يحيى الزين" عنه: "يمثل المهندس حسن فتحي جيلا من الرواد في بلدنا، جيلا يعتبر موسوعة ثقافية. إن معظم المنشآت التي بنيت في القاهرة في هذه الفترة كان لها طابع كلاسيكي مأخوذ من الطراز الروماني وطراز عصر النهضة، ثم بدأت بعد ذلك تظهر في أوروبا تيارات العمارة الحديثة، وكانت كل الاتجاهات مبنية بصفة أساسية على التفكير والبحث العلمي والفلسفة، وكان حسن فتحي متابعا لكل هذه الاتجاهات الجديدة في العالم، ولكنه استطاع أن يحدد له طريقا مبتكرا، وأكد على ضرورة الرجوع للمنبع والاهتمام بالأصالة، وأنه كما قال عن نفسه: لم يبتدع فكرا جديدا، ولكنه يقيم التراث ويجعله متصلا بالحاضر".
القرنة الجديدة
عام 1945م تاريخ حاسم في مسيرة حسن فتحي، فقد كلف بإعادة بناء قرية القرنة الجديدة، تفريقا لها عن قرية القرنة القديمة المحفورة في الصخور في منطقة استكمال الآثار الفرعونية بوادي الملوك، والواقعة على الجهة الشرقية من نهر النيل بين الأقصر وطيبة، وهو أيضا تاريخ بداية الصراع الحاد بين سعي حسن فتحي المتحالف مع الإنسان المحلي، ومجابهته لقوى التخلف والتغريب في أوساط المكاتب الحكومية الهندسية في مصر في ذلك الوقت.
استطاع حسن فتحي تحقيق مشروع القرنة الجديدة خلال ثلاث مراحل إنشائية ما بين 1945-1948م، كأحد أجمل المجتمعات العمرانية الريفية في العالم العربي حتى اليوم، لذا فهي ليست بالنسبة له غاية بحد ذاتها بقدر ما تشكل نموذجا لبرنامجه الوطني حول تطوير العمارة في الريف.
لقد كان إتقان حسن فتحي للغتين الإنجليزية والفرنسية نطقا وكتابة، عاملا مهما لجذب العديد من أفراد الطبقات المثقفة المصرية والأجنبية، وهكذا بدأت تتوافد أفواج السياح وأعضاء السلك الدبلوماسي على القرية، كما زارها العديد من المعماريين الأجانب، ونشر عنها في كل أرجاء العالم حتى أصبحت علامة مميزة أضافت بعدا إعلاميا لحسن فتحي المعماري والفنان والإنسان، فالتخطيط العام للقرية عام 1946م يعتبر في ذاته تقدما تخطيطا وفكريا بالنسبة لذلك الوقت.
قرية باريس
قام هذا المشروع على أساس استخدام المواد المحلية وطرق الإنشاء التقليدية بعد إخضاعها للقوانين الهندسية، ومراعاة ظروف البيئة، خاصة إذا ما كان هذا المشروع يمثل مجتمعا صغيرا ومنعزلا مثل باقي مجتمعات الواحات.
لقد تم اختيار أحد الأحياء الذي روعي في تخطيطه عوامل السكان والمواصلات والمناخ، حيث إن عامل المناخ وحركة الهواء لهما أكبر الأثر في تجديد ملامح التخطيط؛ وذلك لقسوة الجو في المنطقة، حيث تبلغ درجة الحرارة في أشهر الصيف 48 درجة مئوية.
ومن أهم الوسائل فاعلية في تخفيف حدة الحرارة في هذه المناطق الإكثار من الظل والإقلال من الأسطح المعرضة لأشعة الشمس، ثم مراعاة استقبال هواء الشمال بكل الوسائل الممكنة، وعمل التصميم على أساس التحكم في سير الهواء الرطب من الأجزاء المظللة إلى الأجزاء المعرضة لأشعة الشمس.
إن تخطيط وبناء قرية باريس بالواحات الخارجة يعد من أوضح الأمثلة البحثية التي قام بها حسن فتحي في مشروع إرشادي، اهتم فيه بكل النواحي التخطيطية والمعمارية والإدارية.

* المصدر: مقال لزينب راشد, حسن فتحي .. شيخ المعماريين: سيرة ذاتية, ببليوإسلام.نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق